دموع النهار
**************الحلقة الثالثة
صوت هدير النافورة ،ورائحة المطر الذي غسل عن أغصان شجرة النارنج تعبها ،وأعاصيرها المتمردة على حلتها الخضراء،لتعيد لها حيويتها التي شاركتها معزوفة أوراقها عصافير أتتها ،وأجنحتها المجهدة لتحط على أغصانها الدافئة ،،
وهاقد شق لولب السماءقوس قزح، ليتألق من محارة فتحت له غلافها الهندبائي، لتبث بتلك الأرواح المسافرة سكينة اللقاء ،و الصفاء الذي غاب طويلا عن قلوبهم الموجوعة ،ورائحة القهوة العربية المحمصة بالهاون النحاسي ،تستنشق منها المارة عراقة تلك الدار ،وأصولها العربية ،صلبة كصوت أبي ماجد الأجش ،رقيقة نبضاتها كأنسام الصباح،وقطرات نداها كدموعه التي تدغدغ أشواقه المختبئة قوقعة أهدابه البيضاء ،وتجاعيد وجهه ،وشعره الأبيض ووقار مشيته بعصاه المرمري، يهيب له كل من يعرفه وقار وعرفان،،وبينما حل السماء ليكسي أرض تلك الديار الطيبة حلته الداكنة ،استيقظ من قيلولته وابنته سراب ،على طقطقات حانية من خلف بابهم الخشبي،ليتفاجأ بما لم يكن بالحسبان ،أن يرى شاب وسيم بمظهر تآكل عليه الزمن قيراطا من العمر ،قبل ان يكمل السؤال الجد أبو ماجد من الطارق.
قرأت يا عم لافتة بيت العيلة ،توقفت كل حواسي وشردت بعيدا ،عند تلك الجملة التي بدأت تعيد لي شيئا من غربتي عن ذاتي ،وكل من كانوا حولي،أأجد لي مكانا بينكم لأيام بينما أستعيد قوتي ،وأنسق أموري من أين عليّ أن أبدا ،يردد تلك العبارات بسرعة وهو متلهف لجواب يريحه من عناء مشاق سنينه الظلماء ،ليأتيه الجواب على الرحب والسعة يا بنيّ ،
وبعدما ارتاح وتناولا العشاء بغرفته السفلية بجوار ساحة البيت ،،وكأنه مشتاق أن يسمعه أحد ليحدثه قصته ،وهما يتناولا الشاي ،،والمدفأة تعكس ضجيج روحه المتآكلة ألما ،،اسمي هُمام،،دخلت السجن خمس سنوات لأقضي محكوميتي بجرم كنت قد دفعت ثمنه عمري ،لأني لم أساوم على كرامتي وأخلاقي خلال عملي ،لفق لي تهمة أقرب أصدقائي بالعمل ومعهم ابن خالتي ، تهمةاختلاس أموال عامة،بعد حبك مكيدة لي،ليتخلصوا مني ،، أودت بي بالسجن ،، توفي أبي بأزمة قلبي على أثرها ،وزوجتي طلبت الطلاق وهاجرت مع أهلها خارج القطرومعها ابناي أحمد ومحمود ،،حينما كنت أحاكم بين قضبان قيدت كل أوصالي ،،وأنا عاجز أن أدافع عن نفسي كنت أشعر بعنفوان كرامتي ،التي ما تنازلت عنها ،تحت أي إغراءات حتى لو كان الثمن حرماني من عملي ،وحريتي ،لأني ما زلت محتفظا بهويتي ورجولتي وإنسانيتي ،،كنت أتمرد على مخاوفي وأوجاعي بالسنوات الأولى من نبض خارج قضبان السجن يوقظ آمالي ،لأتابع ،أذكر قبل سفر زوجتي بأيام أتتني،ودموعها تغرق وجنتيها ،لتخبرني ،ضاقت بي كل السبل ،جئت أودعك،حينها لم يكن ببالي أي جواب أرد عليها ،ما عساي أقدم لها وأنا ذاتي مهزومة من الأوجاع ،أعطيتها تصريح سفر وغادروا،،،لم أكن أعلم أنه وبوسط كل تلك الدماء العطشى للإنسانية أن القدر اختارني لأدفع تلك الفاتورة ، لأعاقب بأحكام أشد قهرا حينما خرجت،وكأني وباء يحل أينما يحط ترحاله ،قيد الدراسة فتلك النظرات التي تلاحقني كمجرم ،يخاف أحد الاقتراب مني ،أو التعامل معي تمنيت لو بقيت بين قبضان ذاك السجن الذي كنت أشعر بذاتي به ،بطلاقة أحلامي المغردة ،وكرامتي التي ما تخليت عن عنفوانها ،لتحطمه كدمات أورام لطخت كل سنيني بقيود ظلم من ألقوا بين بسلة مهملات على أرصفة مهجورة،ليكون العقاب أشد وأعمق ظلمة وظلما لسجن أكبر ،تكاد أنفاسي تتلفظ زفراته،وبينما يتابع ارتمى بحضن الجد أبي ماجد ،ليقول له حتى بيتي وذكرياتي أصبحت صوره متناثرة على أرصفة الشوارع مع رياح لم تذر منه إلا الصقيع المتجمد الذي استوطنني كما تراني اليوم يا أبي،،،منذخرجت من أسابيع تراني بأزقة وحواري ما تزال ذكرياتي عالقة بذهني مع حيطانها وأشجارها ،،مع كل جماد دمعت عيناه لعشرتناالطويلة ،بعيدا عن وجوه منها ما تزال موجودة لكن أقنعتها تعرت بلا حياء ولا إنسانية ،ومنها من غادرت بلا رجعة ،ضاقت بي الدنيا لأجدني على باب المسجد المجاور لحيكم وبعدما أتممت صلاة العصر وأنا أمر من هنا ،وقرأت اللافتة تسرب دفئ وحنين لذكريات طفولتي ،لأجدني أطرق بابكم لأستعيد أنفاسي النقية من كل زاويا من هذا البيت كما قلبك الكبير.
سأنتظر تذكر سفر حيث تلك القيود تفك حصارها عن روحي الثكلى ،،التي فاض بها العبث والجري إلى عالم المجهول،لكن حينما التقيتك من بين كل هذا الركام الأسود لتلملم نبضاتي المبعثرة ،،وتبث بي روح الحياة من جديد،علمت معنى دفئ الجذور والتراب، أشرعة تحطمت لكن السفينةستظل صامدة .
عانقه بحب وعيناه تفيض دموع تغسل شرور الكائدين ،
مع صباحاتهم الدافئةوسراب تحمل بين ذراعيها ضياء
مقبلة عليهما ،بخبز ساخن ،وترويقة الصباح ،يتسلل الأمان ضجيج روحه،ليقرر المضي متشبثا بالأماني لصباح جديد يسترجع مافاته بعزيمة المضي بثقة وإصرار
بقلم//هيفاء البريجاوي//سورية
.
**************الحلقة الثالثة
صوت هدير النافورة ،ورائحة المطر الذي غسل عن أغصان شجرة النارنج تعبها ،وأعاصيرها المتمردة على حلتها الخضراء،لتعيد لها حيويتها التي شاركتها معزوفة أوراقها عصافير أتتها ،وأجنحتها المجهدة لتحط على أغصانها الدافئة ،،
وهاقد شق لولب السماءقوس قزح، ليتألق من محارة فتحت له غلافها الهندبائي، لتبث بتلك الأرواح المسافرة سكينة اللقاء ،و الصفاء الذي غاب طويلا عن قلوبهم الموجوعة ،ورائحة القهوة العربية المحمصة بالهاون النحاسي ،تستنشق منها المارة عراقة تلك الدار ،وأصولها العربية ،صلبة كصوت أبي ماجد الأجش ،رقيقة نبضاتها كأنسام الصباح،وقطرات نداها كدموعه التي تدغدغ أشواقه المختبئة قوقعة أهدابه البيضاء ،وتجاعيد وجهه ،وشعره الأبيض ووقار مشيته بعصاه المرمري، يهيب له كل من يعرفه وقار وعرفان،،وبينما حل السماء ليكسي أرض تلك الديار الطيبة حلته الداكنة ،استيقظ من قيلولته وابنته سراب ،على طقطقات حانية من خلف بابهم الخشبي،ليتفاجأ بما لم يكن بالحسبان ،أن يرى شاب وسيم بمظهر تآكل عليه الزمن قيراطا من العمر ،قبل ان يكمل السؤال الجد أبو ماجد من الطارق.
قرأت يا عم لافتة بيت العيلة ،توقفت كل حواسي وشردت بعيدا ،عند تلك الجملة التي بدأت تعيد لي شيئا من غربتي عن ذاتي ،وكل من كانوا حولي،أأجد لي مكانا بينكم لأيام بينما أستعيد قوتي ،وأنسق أموري من أين عليّ أن أبدا ،يردد تلك العبارات بسرعة وهو متلهف لجواب يريحه من عناء مشاق سنينه الظلماء ،ليأتيه الجواب على الرحب والسعة يا بنيّ ،
وبعدما ارتاح وتناولا العشاء بغرفته السفلية بجوار ساحة البيت ،،وكأنه مشتاق أن يسمعه أحد ليحدثه قصته ،وهما يتناولا الشاي ،،والمدفأة تعكس ضجيج روحه المتآكلة ألما ،،اسمي هُمام،،دخلت السجن خمس سنوات لأقضي محكوميتي بجرم كنت قد دفعت ثمنه عمري ،لأني لم أساوم على كرامتي وأخلاقي خلال عملي ،لفق لي تهمة أقرب أصدقائي بالعمل ومعهم ابن خالتي ، تهمةاختلاس أموال عامة،بعد حبك مكيدة لي،ليتخلصوا مني ،، أودت بي بالسجن ،، توفي أبي بأزمة قلبي على أثرها ،وزوجتي طلبت الطلاق وهاجرت مع أهلها خارج القطرومعها ابناي أحمد ومحمود ،،حينما كنت أحاكم بين قضبان قيدت كل أوصالي ،،وأنا عاجز أن أدافع عن نفسي كنت أشعر بعنفوان كرامتي ،التي ما تنازلت عنها ،تحت أي إغراءات حتى لو كان الثمن حرماني من عملي ،وحريتي ،لأني ما زلت محتفظا بهويتي ورجولتي وإنسانيتي ،،كنت أتمرد على مخاوفي وأوجاعي بالسنوات الأولى من نبض خارج قضبان السجن يوقظ آمالي ،لأتابع ،أذكر قبل سفر زوجتي بأيام أتتني،ودموعها تغرق وجنتيها ،لتخبرني ،ضاقت بي كل السبل ،جئت أودعك،حينها لم يكن ببالي أي جواب أرد عليها ،ما عساي أقدم لها وأنا ذاتي مهزومة من الأوجاع ،أعطيتها تصريح سفر وغادروا،،،لم أكن أعلم أنه وبوسط كل تلك الدماء العطشى للإنسانية أن القدر اختارني لأدفع تلك الفاتورة ، لأعاقب بأحكام أشد قهرا حينما خرجت،وكأني وباء يحل أينما يحط ترحاله ،قيد الدراسة فتلك النظرات التي تلاحقني كمجرم ،يخاف أحد الاقتراب مني ،أو التعامل معي تمنيت لو بقيت بين قبضان ذاك السجن الذي كنت أشعر بذاتي به ،بطلاقة أحلامي المغردة ،وكرامتي التي ما تخليت عن عنفوانها ،لتحطمه كدمات أورام لطخت كل سنيني بقيود ظلم من ألقوا بين بسلة مهملات على أرصفة مهجورة،ليكون العقاب أشد وأعمق ظلمة وظلما لسجن أكبر ،تكاد أنفاسي تتلفظ زفراته،وبينما يتابع ارتمى بحضن الجد أبي ماجد ،ليقول له حتى بيتي وذكرياتي أصبحت صوره متناثرة على أرصفة الشوارع مع رياح لم تذر منه إلا الصقيع المتجمد الذي استوطنني كما تراني اليوم يا أبي،،،منذخرجت من أسابيع تراني بأزقة وحواري ما تزال ذكرياتي عالقة بذهني مع حيطانها وأشجارها ،،مع كل جماد دمعت عيناه لعشرتناالطويلة ،بعيدا عن وجوه منها ما تزال موجودة لكن أقنعتها تعرت بلا حياء ولا إنسانية ،ومنها من غادرت بلا رجعة ،ضاقت بي الدنيا لأجدني على باب المسجد المجاور لحيكم وبعدما أتممت صلاة العصر وأنا أمر من هنا ،وقرأت اللافتة تسرب دفئ وحنين لذكريات طفولتي ،لأجدني أطرق بابكم لأستعيد أنفاسي النقية من كل زاويا من هذا البيت كما قلبك الكبير.
سأنتظر تذكر سفر حيث تلك القيود تفك حصارها عن روحي الثكلى ،،التي فاض بها العبث والجري إلى عالم المجهول،لكن حينما التقيتك من بين كل هذا الركام الأسود لتلملم نبضاتي المبعثرة ،،وتبث بي روح الحياة من جديد،علمت معنى دفئ الجذور والتراب، أشرعة تحطمت لكن السفينةستظل صامدة .
عانقه بحب وعيناه تفيض دموع تغسل شرور الكائدين ،
مع صباحاتهم الدافئةوسراب تحمل بين ذراعيها ضياء
مقبلة عليهما ،بخبز ساخن ،وترويقة الصباح ،يتسلل الأمان ضجيج روحه،ليقرر المضي متشبثا بالأماني لصباح جديد يسترجع مافاته بعزيمة المضي بثقة وإصرار
بقلم//هيفاء البريجاوي//سورية
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق